الوسوسة : وطريقة علاجها لمن ابتلى بها
معنى الوسوسة
الوسوسة : هي الصوت الخفي الذي لا يحس فيحترز منه
فالوسواس الإلقاء الخفي في النفس إما بصوت خفي لا يسمعه إلا من ألُقي إليه وإما بغير صوت كما يوسوس الشيطان إلى العبد . قاله ابن القيم(بدائع الفوائد - (ج 3 / ص 115) وقد تُلقى الوسوسة في الأذن أو في القلب . كما قاله ابن القيم وابن تيمية .
أقسام الوسوسة
قال شيخ الإسلام ابن تيمية (مجموع الفتاوى - (ج 17 / ص 517) (الوسوسة نوعان : نوع من الجن ونوع من نفوس الإنس . كما قال : { ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه } فالشر من الجهتين جميعا والإنس لهم شياطين كما للجن شياطين )
وقال شيخ الإسلام (وقد ذكر أبو حازم في الفرق بين وسوسة النفس والشيطان فقال : ما كرهته نفسك لنفسك فهو من الشيطان فاستعذ بالله منه وما أحبته نفسك لنفسك فهو من نفسك فانهها عنه )
قد يكون هناك وسوسة بخير فهل هي من الشيطان ؟
قال شيخ الإسلام مجموع الفتاوى - (ج 17 / ص 529)
( الفرق بين الإلهام المحمود وبين الوسوسة المذمومة هو الكتاب والسنة فإن كان مما ألقي في النفس مما دل الكتاب والسنة على أنه تقوى لله فهو من الإلهام المحمود وإن كان مما دل على أنه فجور فهو من الوسواس المذموم وهذا الفرق مطرد لا ينتقض )
هل هناك من الخلق من هو معافى من الوسوسة
قال شيخ الإسلام ( ولا بد لعامة الخلق من هذه الوساوس ؛ فمن الناس من يجيبها فيصير كافرا أو منافقا ؛ ومنهم من قد غمر قلبه الشهوات والذنوب فلا يحس بها إلا إذا طلب الدين فإما أن يصير مؤمنا وإما أن يصير منافقا )
الوساوس تشتد على من ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : (ويعرض لخاصة أهل العلم والدين أكثر مما يعرض للعامة ولهذا يوجد عند طلاب العلم والعبادة من الوساوس والشبهات ما ليس عند غيرهم لأنه لم يسلك شرع الله ومنهاجه ؛ بل هو مقبل على هواه في غفلة عن ذكر ربه . وهذا مطلوب الشيطان بخلاف المتوجهين إلى ربهم بالعلم والعبادة ) وقال ابن تيمية ( ولهذا قيل لبعض السلف : إن اليهود والنصارى يقولون : لا نوسوس فقال صدقوا وما يصنع الشيطان )
في أي الأوقات تشتد الوسوسة ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية ( ولهذا يعرض للناس من الوساوس في الصلاة ما لا يعرض لهم إذا لم يصلوا لأن الشيطان يكثر تعرضه للعبد إذا أراد الإنابة إلى ربه والتقرب إليه والاتصال به ؛ فلهذا يعرض للمصلين ما لا يعرض لغيرهم ) وقال شيخ الإسلام : ( وكلما أراد العبد توجها إلى الله تعالى بقلبه جاء من الوسواس أمور أخرى فإن الشيطان بمنزلة قاطع الطريق كلما أراد العبد يسير إلى الله تعالى أراد قطع الطريق عليه )
هل الوساوس باختيار الأنسان ؟
قال ابن تيمية في مجموع الفتاوى- (ج 14 / ص 108)
( وهذه " الوسوسة " هي مما يهجم على القلب بغير اختيار الإنسان فإذا كرهه العبد ونفاه كانت كراهته صريح الإيمان وقد خاف من خاف من الصحابة من العقوبة على ذلك فقال تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } .)
طرق علاج الوساوس ودفعها
أولا:الاستعاذة بالله من الشيطان الوسوسة قال ابن تيمية : (ولهذا أمر قارئ القرآن أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم فإن قراءة القرآن على الوجه المأمور به تورث القلب الإيمان العظيم وتزيده يقينا وطمأنينة وشفاء )
ثانيا : العلم الشرعي خاصة بالمسائل التي تقع فيها الوسوسة كالوسوسة في الوضوء . فلابد أن يتعلم أحكام الوضوء و أن الوضوء فوق ثلاث مرات لا يجوز الزيادة عليه . : قال ابن تيمية : ( ولهذا قال بعض العلماء : الوسوسة إنما تحصل لعبد من جهل بالشرع أو خبل في العقل .)
و قد يظن أنه بالاحتياط الزائد في النجاسات صار من أهل الديانة والورع . قال ابن تيمية : (. مجموع الفتاوى - (ج 20 / ص 140)
وهذه حال أهل الوسوسة في النجاسات ؛ فإنهم من أهل الورع الفاسد المركب من نوع دين وضعف عقل وعلم )
ثالثا: الثبات على الذكر والصلاة
قال ابن تيمية ( فينبغي للعبد أن يثبت ويصبر ويلازم ما هو فيه من الذكر والصلاة ولا يضجر فإنه بملازمة ذلك ينصرف عنه كيد الشيطان { إن كيد الشيطان كان ضعيفا } )
رابعا: الثبات على الحق والرد على الشيطان
قال ابن تيمية : في (درء التعارض - (ج 4 / ص 81) (فأمر النبي صلى الله عليه وسلم العبد أن يقول : آمنت بالله أو آمنت بالله ورسوله فإن هذا القول إيمان وذكر الله يدفع به ما يضاده من الوسوسة القادحة في العلوم الضرورية الفطرية ويشبه هذا الوسواس الذي يعرض لكثير من الناس في العبادات حتى يشككه هل كبر أو لم يكبر ؟ وهل قرا الفاتحة أم لا ؟ وهو نوى العبادة أم لم ينوها ؟ وهل غسل عضوه في الطهارة او لم يغسله فيشككه في علومه الحسية الضرورية وكونه غسل عضوا أمر يشهده ببصره وكونه تكلم بالتكبير أو الفاتحة أمر يعلمه بقلبه ويسمعه بأذنه وكذلك كونه يقصد الصلاة مثل كونه يقصد الأكل والشرب والركوب والمشي وعلمه بذلك كله علم ضروري يقيني اولى لا يتوقف على النظر والاستدلال ولا يتوقف على البرهان بل هو مقدمات البرهان وأصوله التي يبنى عليها البرهان أعني البرهان النظري المؤلف من المقدمات
وهذا الوسواس يزل بالاستعاذة وانتهاء العبد وأن يقول إذا قال : لم تغسل وجهك ؟ بلى قد غسلت وجهي وإذا خطر له أنه لم ينو ولم يكبر يقول بقلبه : بلى قد نويت وكبرت فيثبت على الحق ويدفع ما يعارضه من الوسواس فيرى الشيطان قوته وثباته على الحق فيندفع عنه وإلا فمتى رآه قابلا للشكوك والشبهات مستجيبا إلى الوسواس والخطرات أورد عليه من ذلك ما يعجز عن دفعه وصار قلبه موردا لما توحيه شياطين الإنس والجن من زخرف القول ونتقل من ذلك إلى غيره إلى أن يسوقه الشيطان إلى الهلكة )
وملخص كلام ابن تيمية في الذي ابتلي بالوسواس مثلا في الطهارة أن يقول حصل غسل اعضائي وينتهي ويصلي ولو جلس الشيطان يوسوس لا يتلفت لكلامه بل يذهب . ويقول غسلت اعضائي وفعلت ما امر النبي صلى الله عليه وسلم . وكذلك من ابتلي بالوسوسة بإن في ثيابه نجاسة بل يقول هي طاهرة ولا يلتفت له حتى لا يجره ويسوقه الشيطان للهلكة .
خامسا : الفراغ سبب من اسباب الوسوسة . فلابد للأنسان أن يشغل نفسه بما يفيد من عمل أو قراءة أو ذكر
قال شيخ الإسلام : ( مجموع الفتاوى - (ج 23 / ص 285)
(السكوت بلا قراءة ولا ذكر ولا دعاء ليس عبادة ولا مأمورا به ؛ بل يفتح باب الوسوسة فالاشتغال بذكر الله أفضل من السكوت وقراءة القرآن من أفضل الخير وإذا كان كذلك فالذكر بالقرآن أفضل من غيره )
والله أعلم